وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا .
منذ القديم وصولا الى هذا الزمان لم يكف الانسان ابدا عن البحث في الامور التي لا يجد لها تفسيرا او فهما ، فيكثر الكلام وتنتج النظريات و الاحتمالات ويخرج الدجالون ليجعلوا من امر محسوم في كتاب الله امرا ذا فورع و احتمالات ، فاصبح كلام الله يحتمل اكثر من معنى ، والملاذ الاخير لفهم الاشياء هم المهرجون تحت غطاء العلم ، العلم اصبح اسما يغطي به الكثيرون عن جهلهم وعجزهم ، فالذي يتكلم بكتاب الله في هذا الوقت هو الجاهل اما الذي يتكلم تحت مسمى العلم هو العالم .
لذالك عندما نتكلم عن الروح فهي بطبيعة الحال وكما قرأناها من الامور الغيبية تماما عن اي ادراك او فهم لهذه الكيان الخفي ، فلقد سبق و سأل الناس عن حقيقة الروح ، وكان الجواب من الله وما اوتيتم من العلم الا قليلا ، مما يدل على ان الروح علم في الاصل لا يعلمه الانسان لا من قريب ولا من بعيد ، ولن يصل له الانسان ، لكن هذا لا يمنعنا من ان نتدبر و نبحث ، و نقرب المفهوم ما دام ان الله تكلم عنه في كتابه الكريم ، و بالتكلم عن الروح سوف نبين لكم و نوضح لكم ايضا الفرق بين الروح و النفس و نبين الاختلاف بينهما ، ونرى علاقة هذين الاثنين .
ما هي الروح في القرآن ؟
ان الروح في القرآن الكريم تأتي بعدة مفاهيم ، والروح التي سنتكلم عنها اليوم هي الروح التي تنفخ في الانسان ، و التي قال الله عنها هي من امره لا يعلم الانسان عنها الا ما قيل له وسنبين كيف ان مقصد الله في هذه الاية هي الروح التي تنفخ ، ولا يمكننا ان نبدأ هذا الموضوع بدون الرجوع الى التاريخ القديم ، متى ظهرت اول مرة الروح وعلمها الانسان ، ولهاذا سوف نرجع الى حيث بدأ الخلق ، عندما خلق ادم عليه السلام .
قال الله تعالى للملائكة بما فيهم ابليس "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" نسبت الروح الى الله عز وجل فقال من روحي وهذا ما يجعلنا نستنتج ان الروح التي تكلم عنها الله تعالى وقال قل هي من امر ربي هي نفسها التي نفخت في جسد ادم لانه تعالى قال من روحي اي منه وكذالك في الاية الثانية قال من امره هو ، ولكي نحدد مفهوم الروح يجب ان نعرف كيف كان ادم قبل ان تنفخ فيه الروح ، فبعد ان اتم الله تعالى خلق ادم الذي سواه بيده تعالى ، كان ادم مجرد جسد لا يتحرك ولا يمكنه ذالك ، ولكن عندما نفخ الله من روحه في جسد ادم اصبح الجسد حيا يتحرك ، وهنا المغزى و المفهوم هو ان الروح مسؤولة عن الحياة بدونها لا يحيا الجسد فهل اقتضت الروح ان تغرس في ادم وحده ام سائر بنوا البشر وهذا ما سنجيب عنه ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ.... ، ويدل هذا الحديث الذي نحاول ان نظهر منه على ان نفخ الروح لم تقف ابدا عند ادم بل هي سائرة على جميع البشر من بعد ادم ، فتسلسل الاحداث التي اختلفت فقط ، ادم خلق بيد الله و نفخ من روح الله ، اما البشر الذي اتى بعد ادم خلق من ماء مهين و نفخت الروح من طرف ملاك كلف بهاذا العمل ، فهو الذي يحمل الروح وينفخها في الجنين في بطن امه ، لماذا الروح تحمل عبر الملاك ، لان الله تعالى نسب الروح الى نفسه ولم تنسب الى اي كائن اخر ، فالروح من عند الله والملاك مكلف فقط بالنفخ وذالك بامر من الله عز وجل ، فالروح طبقا لما استنتجناه سابقا ، هو كائن او جسم غير معروف و لا يمكن مشاهدته يزرع في الانسان فتنبت الحياة فيه ، وهذه الروح جزء من الله تعالى ، فالجسد بدون روح مجرد جثة ، لذالك عند الموت تسلب الروح فقط من الجسد فيموت الانسان ، وذالك ايضا عن طريق ملك الموت المكلف بقبض الارواح ، فتخرج الروح باذن الله تعالى عندما يامر بذالك .
هل الروح خيرة ام شريرة ؟
فهل الروح التي تزرع في بني الانسان خيرة ام شريرة فعن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء)). ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} الآية. فالفطرة السليمة هي الاصل في الانسان ، اي ان الروح في البداية تكون على الاستقامة وليس العكس ، سيقول البعض لماذا ربطنا الخير و الشر بالروح و الاصح هو ان الخير متعلق بالانسان ، ولكن دعني اقول لك شيئا ان الخير و الشر بالفعل له علاقة بجسد الانسان الا ان الروح تتأثر كثيرا ، ففي احاديث كثيرة طويلة في رحلة قبض الروح من طرف ملك الموت ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الروح ، وذكر منها الروح الطيبة و الروح الخبيثة ، فالروح الطيبة هي التي بقيت عل الفطرة وزادت في العبادات و الطاعات ، و الروح الخبيثة هي التي خبثت بفعل ما حرم الله ، اذا فالروح هي التي تخبث او تبقى كما هي ولا نقول ان الجسد خبيث ، اي ان الفطرة السليمة متعلقة اكثر بالروح لا بالجسد ، والروح غذائها العبادات .
خلاصة
اذا تعلمنا ان الروح مصدرها الله عز وجل ولكن لاعلم لنا بها ولا نعلم ما هيتها ولا شكلها ولا كيف تنفخ في الانسان و كيف تصبح اذا دخلت جسم الانسان المهم هو ان تلك الروح اصلها روح من الله ، وهي تزرع في الانسان لكي يستطيع الحركة بدونها الانسان مجرد جثة لا تصلح لشيء ، وايضا تكلمنا على ان الروح تزرع في الانسان فتكون طيبة على فطرتها في البداية فلا يمكن ان نتصور ان شيئا زرعه الله في الانسان خبيث ، لذالك فالروح طيبة في البداية ، وبعد ذالك يختار الانسان اما ان يغذيها بالطاعات او بالذنوب و المعاصي ، هذه هي الروح في القرآن الكريم .
اذا كانت الروح متعلقة بالله تعالى ومنه ، فما الفرق بينها وبين ما ذكر في القرآن بالنفس ؟
الفرق بين الروح و النفس ؟
قبل ان نخوض في هذا البيان الذي سوف نحاول فيه ما امكن ان نبين حقيقة النفس .ولنظهر الحقيقة يجب ان نظهر عكسها وهذه من الطرق التي تجعلك تفتح عقلك الى معرفة الباطل وبذالك تعرف الحق ، لنقل ان النفس هي الروح ونبحث عن كلمة نفس في القرآن ونرى مذا تعني يقول الله في ايته وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.. السؤال المطروح هو هل الروح تقتل ، وقال تعالى ايضا وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، السؤال ايضا هل الروح تأمر بالسوء ، وقال ايضا وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ، فهل الروح تشتهي ، كل هذه ايات مختلفة انتقيناها لكم من بين ايات كثيرة لغرض واحد ، وهو ان النفس في الآيات الثلاث ترتبط بالاحاسيس و الشعور اي ان النفس تشعر وتشتهي وايضا تقتل وتشعر بالموت ، قال تعالى كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ ، النفس تذوق سكرات الموت وتشعر بكل شيء ، تشعر بالمتاع اذا كانت تستمتع وتشعر بالآلام اذا كانت تتألم ، ولنزيد الامر وضوحا لم يذكر الله تعالى ان الروح تقتل او تموت بل ذكر ان النفس هي التي تموت ، ولم يذكر ان الروح تأمر الناس بالسوء بل قال انها من عند الله وبينا لكم ان الروح فطرتها دائمة على الحق الا من لوثها بالخبث فصارت خبيثة ، ولم يذكر الله تعالى ابدا ان الروح تشتهي المأكولات و المشروبات و تميل الى التمتع بل الروح ابدا لم تذكر على انها كذالك ، واذا اظهرنا الباطل فالحقيقة هي العكس تماما ، اي ان الروح ليست ابدا بالنفس كما قال بعض الاشخاص واذا كانت الروح هي النفس اي انها تشتهي و تموت فلماذا الروح تزرع في البشر لماذا لا ترفع فقط وعند دخول الجنة او النار تكون روحا فقط لماذا يجب ان تعاد الروح الى حاملها هذا يعني ان متاع وعذاب الاخرة لا يكون الا بالجسد وليس الروح وهذه فقط امثلة بسيطة من امثلة كثيرة كلها تظهر العكس ان الروح و النفس شيئان مختلفان تماما . اذا فالنفس كما ذكرها الله تعالى شاملة لصفات الشعور و الاحساس و الشهوة و تامر بالسوء اذا لم يتحكم ويسيطر عليها بها الانسان ، وتتبع الشهوات و تتبع كل شيء يمتعها هذه هي النفس ، اذا ما هي النفس في الحقيقة ؟
ما هي حقيقة النفس ؟
دائما الحق يكون عكس الباطل ، او عكس الذي قيل فاغلب الشيوخ و العلماء ساندوا فكرة ان النفس هي الروح ، وان الروح عندما تدخل في الجسد تصبح نفسا ولكن هذا كله باطل ، فالروح و النفس مختلفان كما اظهرنا لكم ، اذا فالمعطيات التي اخرجناها لكم كلها تشير الى ان النفس هي كما قال تعالى وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا ، و التسوية من الخلق وهذا لا يخالف اي كتب تفسير ابدا اي اتفقوا على ان التسوية من الخلق ايضا اي ان النفس مخلوق وليس روحا ، ولا يمكن القول على ان الروح مخلوق لانها من الله نفخها الله منه الى الانسان ، اذا قلت ان الروح مخلوق اذا فالله مخلوق حاشا لله ان يكون كذالك اذا فالروح ليست مخلوقا و لا تموت الا ان النفس مخلوق وتموت والحكمة من هذا كله هو لماذا الله تعالى يدعوا الناس بالانفس ، فيقول وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا ، وهذه اية من ايات الخلق التي كانت في البداية ، قال الله تعالى ان خلق لكم من انفسكم اي من الانسان الذكر خلق منه انثى اي زوجة ، اي خلق له من نفسه اي من ذاته البشرية او الانسية ، مما يدل على ان النفس هي الانسان او البشر كما ذكر الله تعالى ذالك في كتابه الكريم ، فالانسان يموت وكذالك النفس تموت الانسان يشتهي وكذالك النفس الانسان يعصي وكذالك النفس والكثير من الصفات شاملة الانسان و النفس اي انهما نفس الشيء .
اذا كانت النفس هي الانسان فلماذا الله مرة يذكر النفس ومرة يذكر الانسان و مرة يذكر بشر ، وهذه حكمة من الله تعالى في ذالك وسنظهر لماذا الله تعالى يقول في بعض الايات النفس ويقول في بعض الايات انس واخرى بشر .
الفرق بين ذكر النفس و البشر و الانس ؟
نبدأ بما بدأ الله به تعالى وقال إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ، البشر ، ما معنى كلمة بشر في القرآن الكريم ، ولنجد المعنى يجب ان نتوغل جيدا في القرآن ونبحث عن ايات ذكرت فيها كلمة بشر لكي يتضح المفهوم ،
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا ، وقال تعالى وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ وقال تعالى ايضا وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا ، وهناك الكثير من الآيات الاخرى الا ان هذه الايات تكفي لما نحاول ان نظهره ، وهي ان الله تعالى عندما يذكر كلمة بشر في القرآن فهو يتكلم عن الخلق او الصفة التي هي عليه ، قال تعالى انه سيخلق بشرا من طين ، البشر هي خلقة او ماهية فنحن بشر كما خلقنا الله تعالى وعندما قال كفر الملأ بسبب ان الله ارسل اليهم بشرا اي انه مجرد بشر ليس بملاك اي الخلقة او خلق وايضا في الآية عندما رأت النساء نبي الله يوسف وقال ليس هذا ببشر يدل ايضا على ماهية المخلوق او صفة المخلوق وحتى في الاية الاخيرة تعجبوا لان الله بعث بشرا رسولا ، مما يدل على ان كلمة بشر تعني الخلقة او الماهية المعروفة المحددة وايضا قال الله تعالى إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ خلق البشر قبل ان ينفخ الله فيه من روحه مما يدل على ان البشر خلقة او صفة المخلوق ، ولنزيد الوضوح في هذا يجب ان نفهم كلمة الانس في القرآن الكريم كي نرى الحقيقة اكثر ، فقي كتاب الله ، عندما يذكر ربنا عز وجل الانس يقرنه مع الجن وكل الآيات التي بها انس يتبعها جن فيستخدم الله تعالى كلمة انس في القرآن ليدل بها على الجنس او الصنف مع الاقتران بالمخلوق الاخر اي ليفرق للقارئ بين مخلوقه الانسان و الجان ، و كلمة الانسان في كتابه الكريم تعني ان الله تعالى يختص جنس الانسان بها وغالبا ما تكون صفات يتسم بها الانسان قال تعالى ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا وقال ايضا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا وايات اخرى قال قتورا وايضا نسيا وضعيفا وجهولا و الكثير من الصفات ، التي يذكرها الله تعالى عندما يخص ذكرة بصنف البشر يقول له انسان وناتي الآن الى ذكر الله تعالى الانسان بالنفس ، فالنفس يا اخوتي الكرام من النفس التي تعني الحياة او الحي فالله تعالى كرم الانسان بان جعله حيا يشعر ويتمتع بملذات الدنيا يأكر ويشرب ما تشتهي نفسه ،اي ما يشتهي جسده فعند اكل شيء لذي فالنفس التي تشبع و النفس التي تتلذ بذالك فانت ايها البشر من زرع فيك الله الحياة فصرتا نفسا تتمتع بالحياة وكذالك عن دخول الجنة ان شاء ربك سوف تصير ايضا نفسا تتنفس وتاكل وتسمتع بملذات الجنة التي لا تنتهي .