في جميع الاوقات و الازمنة ، تكلمت معظم حضارات التاريخ القديم ان لم نقل كلها ، عن جانب خفي من عالم ، العالم الذي لم يعرفه الانسان ابدا ، ولطالما كان الشيء الخفي عن الانسان مجرد خرافات و اساطير ، الا ان ليس كل الاشياء الخفية خرافة قد تكون حقيقة ، اصطلح عليه باسم عالم الارواح ، ولكن نحن كمسلمون نعلم جيدا انه ليس كذالك ، ونعلم عنه اكثر من اي شخص او حضارة اخرى ، عالم الجان صنع الرحمان .
من هو الجن:
خلق الله تعالى الانس و الجن لغرض واحد و هو العبادة ، وتولى الانسان خلافة الارض التي اصبح مفهومها مبهما لدى الناس ، وكرم الله بني ادم بذالك التكريم ، اما الجن و الذين طبقا لما ورد في كتبنا خلق قبل الانسان اصبح موازيا في ارض الله تعالى ومأمورا بالعبادة مثله مثل الانسان ، ولطالما حيرتنا قصص نسمعها و اخرى نقرأها في كتاب الله ، تجعلنا بالفعل نعجز عن فهم هذا العالم الذي لا يمكننا رأيته ، و السؤال المطروح الذي حير عقول الناس ، هو لماذا لا يمكن للانسان رؤية هذا المخلوق ، و اين توجد حضارات الجن وكيف هي ؟ كل هذه اسئلة تثير فضول المعرفة بمخلوقات الله الاخرى ، و نتعرف عليها ، وخصوصا لمخلوق امر بالعبادة مثلنا .
الشكل الحقيقي للجن :
عندما نرجع الى الوراء في بدايات الخلق ، يمكننا ببساطة ان نعلم بان الجن مخلوقات من نار ، لكن الشكل الظاهري للجن بالفعل ليس كما يتخيل البعض انه جسم ناري ، هذا خطأ كبير ، بل انه جسم اخر ، مثلنا نحن ، خلقنا من تراب ولكن شكلنا النهائي مختلف تماما عن التراب ، لذالك الصحيح من القول هو ان الجن لهم اشكال مختلفة عن مادة خلقهم وهي النار ، وفي قصة الخلق التي رويناها لكم في جزئين ، تعرفنا على اول لقاء بين جن و انس في التاريخ كله ، وهو اللقاء الذي حصل بين ادم عليه السلام و ابليس ، و الحوار الذي دار بينهما ، قال تعالى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) ، فهنا حصل اللقاء بين انس و جن ، ودلت الآية على الرؤية المباشرة بينهما ، لان الشيطان قال هل ادلك ، فكيف يمكن ان يدله على الشجرة بدون ان يراه ادم ، لذالك فادم عليه السلام رأى بالفعل حقيقة الجن في الاصل ، رأى ابليس على هيأته ، و السؤال هنا كيف رأى ادم ابليس ؟ ، والجواب على هذا السؤال هو بسؤال اخر ، هل بالفعل لا نرى الجن بسبب ضعف بصرنا كما توارتناها ، ام ان هناك قصة اخرى وراء هذا الموضوع.
لماذا لا نرى الجن :
لم يسبق ان ذكر الله تعالى ان الانسان يعجز عن رؤية الجن ابدا ، بل ذكر في آية وقال إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) ، فدلت الآية الكريمة ان ان ابليس يرانا من حيث لا نراه ، اي يأخذ امكان او يتصف بصفات او يتميز بميزات تجعله يرانا و نحن لا نراه ، ليس لعجز في بصرنا كما قال بعض العلماء ، هذا قول ضعيف ، و الحقيقة هي ان الجن صفاته او تركيبته تجعله لا يرى ، كما لو ان هناك حائط زجاجي امامك ولكن انت لا تراه لانه شفاف للغاية ، لذالك عندما يختلف المكان تختلف خصائص ذالك المكان قد يرى البعض الجن و البعض لا يراه ، لماذا قد يرى البعض الجن و الآخر لا يراه ، سليمان عليه السلام كان يرى الجن وكان له خدم كثير منهم يبنون له القصور و اشياء كثيرة ، و الرسول عليه الصلاه السلام ايضا رأى الجن ، والكثير و الكثير من الاشخاص ، فكيف تمكن هاؤلاء من رؤية الجن ؟
من المعلوم في القرآن الكريم تأثير الجن على الواقع المادي اللذي نعيشه اي ان الجن له تأثير على المواد من الاشياء التي يصنعها الانس او الجماد من الطبيعة ، اذا فالجن جسم وليس خيال او شيء لا يمكن لمسه ، وللجن قدرات عديدة ، واكثر قدرة معروفة هي القدرة على التشكل بالانس او الحيوان ، و ايضا من قدرات الجن هو التحليق في الهواء ، كل هذه القدرات لا يستطيع الانسان ان يتصف بها لحكمة من الله ، و الجن ما دام له تأثير في واقعنا المادي فبالطبع هو ليس شيئا نعجز عن رؤيته ، ومن قدرة الجن هو الاختفاء ، لذالك قال تعالى يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم ، اي انهم يستعملون قدرة ما للاختفاء لا نستطيع ان ندرك كيف يقع ذالك لان علمنا محدود جدا في هذا ، ولكن على العموم يمكننا ان نسترجع بعضا من لقطات التاريخ تأكد ان الجن ليسوا اشيئا نعجز عن رؤيتها .
ومن اهم الدلائل على ذالك هو رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم الشياطين في غير ما مرة ، ففي قصة متفق عليها تقول كان النبي (يصلي ذات مرة، فطلع عليه جان يريد أن يقطع عليه صلاته، فمكن الله النبي"من هذا الجان، فأمسك به وأراد" أن يربطه فى عمود من أعمدة المسجد حتى يشاهده الناس فى الصباح، ولكن النبي "تذكر دعوة سليمان -عليه السلام-: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} [ص: 35]. فترك الجان وعفا عنه. [متفق عليه]. وهذا ما يدل على ان الجن ليس مخلوقات خفية كما يتداوله الناس ، وان هناك غلاف على ابصارنا نعجز من خلاله رؤية هذه المخلوقات ، ومن الادلة ايضا هو سليمان عليه السلام و هو اكثر انسان تقابل مع الجن و الشياطين و كان له خدم كثير منهم ، فلقد كان يرى الجن و الشياطين ، اذا فكيف يرى بعض الناس الجن و آخرون لا يرونهم ؟
كيف يرى الجن :
ان الجن يا اخوتي الكرام له خصائص لا نعلم عنها شيئا ، لان هذا من الغيبيات ، فلم يسبق ان تم فحص جسم جني او شيء مثل هذا القبيل ، ولكن الجن يرى عندما يريد هو ذالك ، او عندما يلغي قدرته على التخفي ، و قد تأتي اوقات يفقد الجني فيه تلك الخاصية فيراه الناس ، مثل حادثة النبي مع الجن و الشياطين في اوقات كثيرة ، فالجن كما ورد في السنة الصحيحة من الاحاديث مثل الحديث الذي في الصحيحين عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي الصلاة، وإن الله أمكنني منه فذَعتُّه (خنقته) فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم، ثم ذكرت قول أخي سليمان: (رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) فرده الله خاسئا" فهاذا ما يجعلنا نعرف ان الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان باستطاعته ان يرى الجن ، وذالك ان صح القول هو عدم قدرته على التخفي امام نبي الله ، وايضا يمكن لجميع الاشخاص رؤية الجن ، كما ذكر في اخر الحديث تصبحون تنظرون اليه اجمعون ، اذا ليست مسألة عجز وانما مسألة متعلقة بالجن نفسه، وخصوصا مع الشياطين فهي التي تترصد لابن ادم ترصدا حتى تغويه وتخرجه عن العبادة اوالطاعات .
كيف يعيش الجن و اين مساكنهم (الجن ليسوا شياطين)
اذا بعدما عرفنا حقيقة الجن فسيأتي على اذهان الجميع كيف يعيش الجن و اين يبنون مساكنهم ، فخصائص الارض من الزمان تطبق على جميع مخلوقات الارض ، وكما ذكرنا سابقا فمخلوقات الجن لها تأثير على الواقع المادي ، وكذالك العكس ، وايضا تأثير الزمان فوق الارض يأثر على جميع المخلوقات ، اي ان الجن يكبر ويموت مثله مثل جميع المخلوقات ، ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون ، اي ان الجن تحكمه قوانين الارض جميعها .
ففي حقيقة عيش الجن على الارض ليست واضحة ابدا ، ولكن في احاديث كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم في ذالك الزمان ففي صحيح مسلم أن الجن سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاد، فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم.
ولكن هذا ليس دليل على ان اكل الجن كله هو العظام ، فهاذا ليس دليلا كافيا ، و ايضا ليس دليلا على ان ركوب الجن او وسائل تنقله هو الدواب ، فالجن مخلوقات خلقت قبل الانس الله اعلم كم من الوقت و الزمان عاشت ، وكما ذكرنا في قصة الخلق ان الجن سكنوا الارض قبلنا. وافسدوا فيها فسادا و اراقو دماء بعضهم البعض ، وبهاذا يمكننا ان نقول ان الجن مخلقوات متطورة جدا ، متطورة اكثر من الانسان ، لانها على دراية اكثر منا بهذه الارض ، واعلم بها ، ويوجد احاديث كثيرة استدل بها العلماء على اماكن عيش الجن و ايضا اكلهم و شربهم و لكن كلها احاديث تخص الشياطين وليس الجن فهناك فرق كبير بين الشياطين و الجن ، فيذكر العلماء على ان الجن يعيش في الخلاء و في الصحاري و في اماكن قذرة ولكن هذا غير صحيح ابدا فمقصد النبي كان هو الشياطين فكان يقول الشياطين ولم يقل ابدا الجن لانه يعلم ان الجن ليسوا كذالك ، فاذا من قائل ان الجن يحب القذارة فهاذا تقليل من خلق الله و حب النفس واغترار بها ، فتلك الشياطين التي تحب الاماكن القذرة و تسكنها و تحب اماكن الفسق و الفساد ، اما الجن مساكنهم و حياتهم من الغيبيات تماما عن الانسان ، وكما ذكرنا سابقا الجن له تأثير مادي على الارض اذا فمساكنهم و ابنيتهم ستكون من الارض نفسها اي جسم يمكن للانسان رؤيته ، لذالك نقول والله اعل واعلم ان الجن يسكن ارضا غير ارضنا ولكن يتجول فيها كلها لما له من قدرات عاليه ، في السرعة و الطيران وكذا اشياء ، وايضا ما يزيد تأكيدنا على هذا هو ان المسجد الاقصى تم بناؤه من طرف الجن في ذالك الوقت من الزمان الذي كانت فيه التكنولوجيا غير موجودة و التطور غير موجود ، فكان الجن اكثر قوة و معرفة بعلوم البناء اكثر من الانس ، وبنو المسجد الاقصى ، وهذا ما يدل على ان الجن مساكنهم و ابنيتهم كلها مرئية غير خفية ، اي ان الارض كلها بعضمتها على اغلب التقدير فيه مكان ما يسكنه الجن ويبنون حضاراتهم ويعيشون مثلما نعيش يأكلون و يشربون و يتناسلون وكل هذا واكثر بل يطورون من انفسهم كما نتطور ويفعلون اكثر مما نفعل ، فالجن مخلوقات مثل الانسان تماما ، تعيش على العبادة منها الصالح و الطالح ، و الكافر و المسلم ، فعالم الجن الذي هو لا نراه ليس لاننا لا نراه بل لانه لا يوجد حولنا في هذه الارض فهذه ارض الانسان التي سوف تقوم فيها العلامات ، اختيرت لان الانسان هو المأمور بالخلافة و هو الحامل للامانة قال تعالى إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ، وقد اختلف الكثير في حقيقة الامانة التي تكلم عنها الله تعالى ولكن الكل كان يتكلم عن شرائع الله في خلقه ، اي ان الامانة مجموع الشرائع و العبادات و غيرها والله اعلى واعلم .
فالجن يا اخوتي الكرام ليس كما اعتدتم ان تسمعوا عنهم ، مخلوقات غريبة خفية تسكن الخلاء وتأكل من ما لم يسمى اسم الله عليه ، فتلك شياطين ، و الجن مخلوقات الله تعبده و تعصيه ، لهم في الارض نصيب كما لنا نحن نصيب نعيش فيه و نأكل حتى يأتي الوعد ، فهم مثلنا ، عالمهم موازي لعالمنا ، اي انهم في ارض اخرى غير هته التي نعيش عليها ، وهذا بالادلة العقلية و التاريخية في القرآن و السنة ، فالجن لديهم مساكن يسكنوها ولديهم اعمال يعملونها ، ولديهم حياة يعيشونها كما لدينا نحن اعمالا نديرها ، انها الحياة الدنيا ، تأثر على كل المخلوقات .